المقصود -أيها الإخوة الكرام- أن هذه الآية العظيمة البينة الباهرة التي ذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه, وجعلها آية متوارثة في الأجيال من بعد إبراهيم الخليل؛ أن هذه الدلالة, وهذه العظمة التي جعلها الله تبارك وتعالى لها تكفي لأن تقرع قلوب من لا يؤمنون بالله تبارك وتعالى, أو من أشركوا معه غيره، تكفي لأن يؤمن وأن يتفهم هذه القصة العجيبة كل قلب يتأمل حال هذا الفتى.فتى وحيد في أمة تتعاون كلها ضده! الملك والحاشية؛ بل إن أباه وأهل بيته يتعاون الجميع عليه، يتفرد ويتميز عن هؤلاء جميعاً هذا الشاب وهذا الفتى بأن يشهد أن لا إله الله, وأن يكون بهذا الإيمان العظيم العميق الجليل الذي تتفق قصته -التي جاءت في المصادر الإسلامية وفي غير الإسلامية- على أنه حتى في أحلك اللحظات عندما جاءه الملك أو الملائكة وأرادوا أن يعينوه, ويقول: لا أريد العون إلا من الله. وهي عندما تتفق عليها المصادر من هاهنا ومن هاهنا ففي هذه قمة التوحيد التي جعلت الخليل إبراهيم عليه السلام يستحق حقاً أن يكون خليل الرحمن، وأن يُتمَّ الكلمات التي أمره الله تبارك وتعالى بإتمامهن وبالوفاء بهن؛ فيستحق بذلك أن يكون إماماً للناس، كما ذكر الله تبارك وتعالى: ((
فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ))[البقرة:124]؛ فاستحق الإمامة بمثل هذه المقامات العالية في الإيمان وفي الثبات، ولم ينظر إلى كونه غريباً وحيداً على هذه العقيدة, والأرض من حوله والأقرباء والمجتمع كله على غير ذلك، وفي هذا عبرة وعظة طويلة تستحق منا الوقفات الطويلة؛ لكن يكفينا الآن هذه الإلمامة العاجلة بين يدي الحديث عن المنهج المقارن في رواية هذه القصة, وهذه الحادثة العجيبة, والآية البينة الباهرة.